شَبَحُ الموتِ في رِدائي وَليدٌ
وفَمُ اليأس في إهابي حُداءُ
وغِذائي من الهُمُوم نَزيْفٌ
وشَرابي مَرارةٌ واستياءُ
وسِلاحي في كلِّ خَطْبِ دُموعٌ
يَنزف القلبَ في لَظاها البُكاءُ
أسْلَمَتْني إلى الجنون الرَّزايَا
مُنْذُ أن ذَرّ في جبيني الهَواءُ
واجْتَبَتْني قَريرةَ العَينِ ( أُمِّي )
حيثُ لَمْ تَدْرِ ماتُديرُ السَّماءُ
ومن الغيب ما يُرَى وهو سِرٌّ
ليس فيه من النّعيم انتماءُ
تَتَرامى شجونُه في حياةٍ
يَرسمُ الهَمُّ دَربَها والعفاءُ
أنْجَبَتْني كَليلةً وهيِ تَهذي
قِصّةَ البؤس حيث يَروي الشقَّاءُ
بِنْتُ طفلاً على الهوان رَضيعاً
يَعصر الوهنُ هامتي والسِّباءُ
بَيْنَ يُتْم وفاقةٍ والْتياعٍ
ونزوحٍ يُجيلُه الأغبياءُ
حيث تطوي مناسمُ الدَّهر يومي
قبلَ أمسي ويَستحيلُ الرَّجاءُ
فإذا الحاضر الذي أمتطيْه
ليس فيه من الرُّواء اجتلاءُ
مَوكبٌ يَنشر الظلامُ عليه
راعفَ الحُزن فهو منه هَباءُ
كلُّ يومٍ يعودني من حياتي
يَنْهَلُ الصُّبحُ ندْبَه والمساءُ
فالليالي وإن ترامتْ بِدَرْبي
ليس فيها تألُّفٌ واحتفاءُ
تَسْرِقُ العُمْرَ غِيلةً ثُمّ تَذوي
في تنايا طُلولِها الكبرياءُ
والسُّرى الغَضُّ في إهابي نَشيجٌ
لَوَّحتهْ من الكُلوم الدِّماءُ
كلّما قلتُ أيْقَظَ الزَّهوُ قَدْري
واحتواني براحتيه السَّناءُ
داهَمَتني من الرّزايا فُلولٌ
يَعقِد البَينُ سَرجَها والبَلاءُ
حيث كانت مَلاعبي فوق كَفٍّ
من حَميم يَجُول فيها الخُواءُ
بَيْنَ راعٍ مُعَنِّفٍ مُسْتَبِدٍّ
ووصِيٍّ يَزمُّ منه الجفاءُ
في أتونٍ من الهوى مُستطيْرٍ
يَتَلَوَّى بكفَّتيه العداءُ
ومُتونٍ من الطَّوَى لاهثاتٍ
يَنسج العُريُ بُردَها والحَفاءُ
تَتَوارَى عن العيون ويَحني
رأسَها الذُّلُّ والقِلَى والعَيَاء
هكذا العُمْرُ كلُّه في وُجودي
ليس فيه من السرور ابتداءُ
تَسبَح الرُّوح في أساه وتَقضي
وهي منه بِدايةٌ وانتهاءُ
فالشباب الذي أرى فيه حُلْمي
مُشرئِبّا يَنِزُّ منه الوَباءُ
تَعتريني بِمَوْجِهِ أُمنِيَاتٌ
هُنَّ للنَّفْس مِريَةٌ وافتراءُ
والترانيمُ لَمْ تَزَل في فؤادي
مثلَما كان في سداها الرِّثاءُ
تَنْزع الأنسَ من قلوب العَذاري
حين يُروي نُفوسَهنّ الصّفاءُ
ليس للسّعي في يَدي من ربيعٍ
أحتمي فيه حين يهوي البِناءُ
فالتعاويذُ أصبحتْ في وريدي
رَثَّةَ المَنعِ ليس فيها احتباءُ
والأماسيُّ من عقودي تهاوتْ
في أديْمٍ ثوى عليه النَّماءُ
كلَّما اختال في عُروقي أَثِيْرٌ
من سَنا الفكر ذاب عنه الرُّواءُ
حيث تَسفي على صداه السَّوافي
مُعتِماتٍ ويرتديه الخفاءُ
فهو للِنور والهدى السَّمحِ نَشْرٌ
يَطمس الزَّيفُ نَفْلَه والرِّياءُ
في وجوم وغيبة وانتحال
يَنشُز الدُّرُّ عَنوةً والوفاءُ
وأنا بين واجس مستريب
وضرير يزفُّ منه الغَباءُ
وعيون تغيب فيها الأماني
يَبتليني بوَتْرها الأدعياءُ
تَسلب الزَّهرَ من ورودي وتَطوي
نازفَ العُمْر وهو منها بَراء
فإذا الفجر في حياتي غُروبٌ
وإذا الضَّوءُ ظُلمةٌ واختفاءُ
والنَّدَى السَّمحُ غُربةٌ وابتذالٌ
يَسبقُ الويلُ رَحْلَه والعَناءُ
كلّما مَرَّ بارقٌ من أَمامي
خِلْتُ نفسي قد ابتلاها الثواءُ
فالأحاسيسُ في فؤادي تَولَّى
وَجْسَها اللّوبُ راعِباً والعُواءُ
هَمْهَمَاتٌ تحوم حولي وتَعْدُو
عارياتٍ يُغِيْرُها الأوصياءُ
إن تناسَيتُ واردي في هَواها
أَشعَلَ النَّارَفي فَتيلي الإباءُ
فاستهامت بمُهجتي أُمنياتٌ
هُنَّ للغيث نسمةٌ واجتباءُ
والأمانيُّ مَوجةٌ من عَذابٍ
إن تَولَّى فُتُونَها الأشقياءُ
مثلَما تَعصِرُ الهُمومُ ابتهالي
حين يَطوي شراعَه الأصفياءُ
نَغْمَةٌ جارت اللّيالي عليها
تُوهن العُمرَ حيث عَزَّ الدّواءُ
فالجراح التي أهاجت بقلبي
ثَورةَ الشَّكَّ ليس منها الْتجاءُ
حيث كانت قوادمي والخوافي
يُلجِمُ القيدَ في جَناها الوَلاءُ
تَرسُم الوهْمَ في خُطاها الغوالي
والخُطَى حيث يَنْزع الوهْمُ داءُ
كلُّ عَيْنٍ مُريْبةٍ يَعتريني
في لَظاها من الغُرور ازدراءُ
واعتصامي بما أرى من وُجوهٍ
نافراتٍ هَزيمةُ وابتلاءُ
ليس لي من وَفائها ما يُداوي
غُلَّةَ النَّفْس حين يَذوي العَزاءُ
فهي منَّي بِمَنبت الروح لكنْ
أين منِّي وأيت منها اللّقاء؟
لَومُها المُرّ أّنني عن حِماها
عازفٌ لا يشيمني الأوفياءُ
كلُّ ذنبي جَريرةٌ لست فيها
بدْعَ مَن جاز في يديه الحباءُ
والذي يَعْسِفُ الخَيالُ إليه
ليس لِي فيه حيلةٌ وافتداءُ
غيرَ أنِّي وقد تمالكتُ نَفْسي
يَعصبٌ اللّومُ ناظري والحياءُ
أرقُب العتْبَ في حَنانٍ وَديعٍ
ليس فيه تَصَلُّب ٌواعتداءُ
فالهُموم التي أُسيمتْ بقلبي
ذابَ حولي بلفحها الأبرياءُ
بين ماضٍ مُعَتّقٍ يحتويني
طَيفُه النَّهْمُ وهو منه اجتراءُ
وحديثٍ مؤرِّقٍ لَسْتُ أدري
كيف يقضي لَدَيَّ فيه القضاءُ!
فهو منِّي بما يرى من خيارٍ
واختيارٍ يخيله مايَشاءُ
والذي يغرف الهوى من يديه
مورد العطف فهو مِنّي الهناءُ
لي إليه دلالةٌ غيرَ أنِّي
لَمْ يجزني بما يمير الثّناءُ
هكذا كنتُ والأسى في رِكابي
يَسبق الموتُ خطوتي والفَناءُ
سُنَّةٌ قادني الرَّدى في يديها
مُنذ أن ضاق في وجودي العَراءُ
إبراهيم الدامغ ـ عنيزة